طريقة الإجابة النموذجية في المسابقات الكتابية
"خطوات عملية للتعامل مع مواضيع المسابقات الوطنية"
من إعداد الأستاذ: زبيـري قويـدر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما نصبو إليه في هذه السطور ليس تحصيل منهجية لإعداد بحث أو جمع مؤلف –رغم أن الأمر يتقاطع كثيرا مع ذلك –بل هي توجيهات عملية منهجية قد تفيد المتر شح عشيّة تقدّمه لإحدى مسابقات ما بعد التدرج أو ربما للالتحاق ببعض المناصب التي تتطلب مسابقات على تلك الشاكلة،مع التركيز على أمثلة تتصل بالعلوم القانونية والإدارية،علّها تختصر لمن يطلع عليها بعض الوقت والجهد خلال الامتحان.
من جهة أخرى سيكون التركيز على المنهج اللاتيني في إعداد الخطة وهو المنهج السائد في الجزائر،دون أن يعني ذلك عدم صلاحية المنهج الانجلوسكسوني أحيانا خاصة إذا ترك المجال مفتوحا لذلك.
وقد دفع إلى جمع هذه الخلاصة ملاحظة أن المترشحين لاجتياز مثل هذه المسابقات يتوضّعون تقريبا على نفس خط الانطلاق فيما حصّلوه من مادة علميّة - سواء فيما تزودوا به خلال سنوات التدرّج أو بالاستدراك لما فاتهم خلال الأشهر السابقة لموعد المسابقة- لذا اتّضح أن مايخلق الفرق بينهم إنما هو اكتساب منهجية وكيفية التعامل مع تلك المواضيع مما يحتم إعطائها الأولوية.
وعليه...كيف نتعامل مع مواضيع المسابقات الوطنية(أهمها الماجستير)بجهد اقل،وبمنهجية هي اقرب للقبول،وفي حدود الوقت المتاح؟
كمحاولة للإجابة هذه الإشكالية ارتأينا فيما يلي أن نتناول ما يجب أن تتضمنه المقدمة عادة(أولا)،فصلب الموضوع- تفصيلا و إجمالا-أي الخطة(ثانيا)،لننتهي إلى ما يمكن أن تحتويه الخاتمة(ثالثا)، وان كانت المقدمة -عمليا-هي آخر ما يكتب.
وسنحاول توخّي التبسيط،والترتيب،مع الاختصار والتمثيل أن اقتضى الأمر ذلك.مع ملاحظة أن هذه المبادرة وليدة تجربة شخصية ومتواضعة مايجعلها عرضة لان يعتريها النقص وان يطالها القصور الذي هو سمة البشر.
أولا:المقدمة :
يهمل الكثير من المترشّحين شأن المقدمة،رغم أنها تعتبر الواجهة التي من خلالها سيواصل المصحح مهمته إما باهتمام أو بفتور تبعا لانطباعه الأوّلي .ويستحسن أن تتدرّج المقدمة إلى مراحل أهمها: الإحاطة العامة بالموضوع(أ)،ثم محاولة حصره(ب)،يلي ذلك إبراز أهميته(ج)،ثم الإعلان عن الإشكالية(د) 2.
ا/الإحاطة بالموضوع:تتمثل الإحاطة بالموضوع عادة بتأصيل وجيز للفكرة التي يدور حولها ،كأن يبحث باختصار عن الجذور التاريخيّة ،فيصلح مثلا تأصيل فكرة سلطان الإرادة ببيان أسبقيّة سواد فكرة الشّكلية عند الرومان قبل أن تتخلّص منها الشرائع اللاحقة،أهمها الشريعة الإسلامية،مرورا بالثورة الصناعية حينما ساد المذهب الفردي المشجّع للرضائية،قبل أن ينحسر تطبيق هذا المبدأ ثانية..،كما أن موضوعا آخر مثل المسؤولية المدنية يحسن استهلاله بكلام وجيز عن أسبقية التصاقها بالمسؤولية الجزائية لمّا كان ينفّذ على جسم المدين،قبل أن تستقل عنها فيقتصر التّنفيذ على ذمته المالية،وبالمثل الكلام عن استقلاليتها عن المسؤولية التأديبية.
وكمثال أخير يتعلق بالإيجارات،لا يمكن ولوج موضوعه دون الإشارة لتقلّبات موقف المشرع الجزائري بين تأييد مركز المؤجر والمستأجر تبعا للظروف..فغداة الاستقلال ناسب تشجيع حق البقاء لمّا كان جل المؤجرين من الفرنسيين الذين تركو أملاكهم مؤجرة ،لكن سرعان ما دعت الظروف الاجتماعية(أزمة السكن وتعسّفات المستأجرين) تشجيع حق استعادة الأمكنة.
وهكذا وجب الإلمام بالخلفيات،ولا نريد الإفاضة في سرد الأمثلة كي لا نخرج عن غرضنا.
كما يجب الحذر من الدخول في مناقشة الموضوع في المقدمة كي لا تقع في فخ المصادرة على المطلوب.خاصة إذا كنت ستفرد للإحاطة التاريخية عنوانا في صلب الموضوع.
--------------------
(1 - غنيّ عن البيان أن بعض المواضيع تتطلب في مقدمتها ،أو في مجملها منهجيّة خاصّة(مثل تحليل نص قانوني أو فقهي،التعليق على قرار قضائي،منهجية الاستشارة...)ولم نتطرق لها لأنه نادرا ما تكون موضوعا لمثل تلك المسابقات،لذا يحسن بالمتر شح العودة في ذلك لما درسه في مرحلة التدرج بمقياس المنهجية.
2 ) -لاشترط التصريح بالمنهج المتبع في المقدمة إلا من قبيل التميّز في الإجابة،والذي عادة ما يكون منهجا تحليليّا يناسب الغاية من مثل هذه المسابقات،حيث تختبر الملكة التحليلية وسلامة التفكير القانوني للمتر شح.
ب/حصر الموضوع:تنتهي الإحاطة بالموضوع بحصره على شكل هرم مقلوب،وهما مرحلتان لصيقتان ببعضهما إلى حد التداخل أحيانا، والحصر يكون باستبعاد الجزئيات العامة فالخاصّة فالأخص حتى الوصول إلى الفكرة المحوريّة،وبالمثال يتّضح المقال،فإذا كان الموضوع يتعلق بالمسؤولية المدنية للمنتج ذات الأساس القانوني ،تعيّن الاستبعاد التدريجي لباقي أنواع المسؤولية (الجزائية،التأديبية)ابتداء،ثم الخلوص للمسؤولية المدنية،قبل أن نخرجها عن نطاقها العقدي،وقصر الدراسة على المادة140 ¬مكرر(ق مدني)وما يقابلها من التشريعات المقارنة.
ج/أهمية الموضوع:عادة مايكتسي موضوع الامتحان في مثل هذه المسابقات أهميةخاصة،سواء
كانت أهميةعملية :وذلك كأن يمسّ الشريحة الكبرى من المجتمع(عمال،مستهلكين،..)أو لاتساع تأثيره المتنامي على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي مثل مايتعلق بالحريات العامة(كموضوع قرينة البراءة). ومن جهة أخرى يمكن أن يكتسي الموضوع أهمية علمية(نظرية) بحتة ،كأن يتعلق الأمر بأفكار محل نقاش فقهي(فكرة النظام العام،مفهوم الدولة،الطبيعة القانونية للشركة ...).
وقد تجتمع الاهميتان العلمية والعملية في بعض المواضيع خاصة إذا اتجهت إليها الإرادة التشريعية وطالتها ببعض التعديلات المتلاحقة –وما أكثرها اليوم-كموضوع(الإيجارات،الجريمة الاقتصادية.)
د/الإشكالية:لابد لأي مقدمة أن تنتهي بإشكالية،وما الإشكالية في حقيقة الأمر سوى إعادة صياغة الموضوع في شكل تساؤل بكيفية أخرى وبأسلوبك الخاص،ولا مانع أن تفصّل الإشكالية إلى أكثر من تساؤل إذا تطلّب الأمر ذلك شريطة أن يكون محورها واحدا.
ويجب الانتباه والتدقيق في تحديد الإشكالية ،لأنّ كل ما يتبعها مرتبط بها،إذ على أساسها ستصاغ الخطة التي ما هي إلا إجابة مجملة عليها،وأنّ ما ستحرره من مادة علمية إنما هو الجواب التفصيلي غير المباشر.فإذا تبيّن لك ذلك أدركت أهمية فهم السؤال جيدا من أجل صياغة إشكالية تخدم الموضوع.
ويصرّح بالإشكالية دائما في ذيل المقدّمة ويليها مباشرة التصريح بالخطة المتّبعة في الإجابة.
ثانيا/الخطة(صلب الموضوع المجمل):
تكتسي عملية صياغة الخطة(أو التصميم)أهمية بالغة(ا)،ويتطلب ذلك جمع الأفكار (ب)،والقيام ببعض المهام الذهنية المتزامنة(ج) .
ا/أهمية صياغة الخطة: إن صياغة الخطة تعد أهم عملية أثناء الإجابة،خاصة لدى القانونيين باعتبارها العمود الفقري لأي موضوع،لذلك وجب إعطاؤها حيزا مهما من جهدك ووقتك المتاح.لأنه بفراغك منها تكون قد أتممت الجزء الأكبر من مهمتك،ولا يبقى أمامك سوى ملء الفروع بالمعلومات المتعلقة بعناوينها،أو ربط عناوين المباحث بمضامينها.ولا ينبغي الإفراط في وضع مقدمات للمطالب والفروع،وغيرها...لأن ذلك يخل بالإيجاز المطلوب تسهيلا لمهمة المصحح.
ب/جمع الأفكار: مهما كانت درجة تحكّمك في الموضوع إلا أن الخطة لا ترتسم في الذهن إلا تدريجيا، وبعد أكثر من قراءة للسؤال، في كل مرة تطفو بعض الجزئيات والأفكار وجب تدوينها فورا على جزء من الورقة المسودة كي يسهل الرجوع إليها وإلا تعذّر استحضارها لاحقا دون مشقة أو دون إهدار وقت ثمين.ذلك أنما تدوّنه من أفكار أولية تشكّل لاحقا-في العادة-الجزء
الأهم من جسم الخطة، وما فاتك منها يمكن تداركه أثناء مرحلة التحرير،وينصح بالشروع في الإجابة مباشرة على ورقة الإجابة متى كنت ملمّا بالموضوع على أن تستعين بها كمسودة عند وقوعك في الخطأ اوكثرة التشطيب،كل ذلك ربحا للوقت وتفاديا لتكرار عملية التحرير.
ج/العمليات الذهنية المتزامنة التي تتطلّبها صياغة الخطة:بعد فراغك من جمع الأفكار لزم توزيعها على نسق معين يخدم الموضوع،وذلك وفق مهام تقوم بها في نفس اللحظة وهي:
01-العمل على إيجاد خطة متوازنة شكلا: ان الخطة المثالية هي التي تقسم إلى قسمين رئيسيين (مبحثين)تحت كل منهما مطلبان،مع التسامح في الاختلال البسيط في عدد المطالب3 إذا دعت الضرورة ذلك ولا يلتفت إلى عدد الفروع مهما قلّ أو كثر،ومن باب أولى لا يهم الاختلال في عدد ما يندرج ضمن الفروع من جزئيات(أولا،ثانيا...)أو أدنى من ذلك(ا،ب،..)أو(1،2،..).
-------------------------------------------------
3)-حتى أن بعض الكليّات لاتكتفي بالتقسيم الثنائي بل تمعن في ذلك بتفضيلها الخطة التناظريّة،مثل(الجانب الموضوعي في مبحث ،ويقابله الجانب الشكلي في مبحث ثان/أو:دراسة احد الموضوعات قبل التعديل في مبحث ،يقابله في مبحث ثان الدراسة بعد التعديل/القاعدة العامة في مبحث يقابلها في مبحث ثان الاستثناء الوارد عليها...وهكذا.)
-مراعاة التوازن في توزيع المادة العلميّة:
إلى جانب التوازن من حيث الشكل يتعيّن كذلك مراعاة التوازن في توزيع المادة العلميّة في كل مبحث أو مطلب...،وإلا كانت نقيصة في الخطّة المعتمدة وجب تلافيها ابتدءا –أي في مرحلة إعداد الخطة-مثل أن يشغل المبحث الأول صفحة ونصف يقابله ثلاث صفحات في المبحث الثاني!
وهنا تظهر الملكة الفنيّة القانونية لكل مترشّح في توفيقه بين توازن الشّكل والمضمون،وهي عملية ليست سهلة خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار ضرورة إيجاد ترتيب مناسب للأفكار وهو ماسنتطرّق له في الحال.
03/مراعاة الترتيب المناسب للأفكار:وذلك حسب اعتبارين.كرونولوجي ،ومنطقي:
03-01/الترتيب الكرونولوجي:قد تتطلّب بعض المواضيع التطرق إلى تأصيل الأفكار، فيجب إيجاد لها مكان في صدر الخطة ،أي في بداية المبحث الأول ،كما يراعى في الترتيب أيضا أسبقية ظهور فكرة عن أخرى،’’فالخطر’’كأساس للمسؤولية الإدارية مثلا وجب تقديمه على’’المخاطر’’ لأسبقيّة اعتماده،وبالمثل بالنسبة لتسبيق تناول القانون اليوناني على القانون الروماني مثلا،وهكذا..
03-02/الترتيب المنطقي:دائما في سياق ترتيب الأفكار-وبالموازاة مع الترتيب الزّمني-تعيّن تسبيق بعض الأفكار عن الأخرى في الخطة لأنّ المنطق يستدعي ذلك، فمنطقيّا تقدّم دراسة ماهية الشّيء أو مفهومه مثلا عن دراسة حكمه أو آثاره أو الجزاءات المترتّبة أو...(حسب متطلّبات الموضوع) ذلك أن الحكم على الشّيء فرع عن تصوّره.
والتّرتيب المنطقي قد يأخذ صورة ثانية و يتعلّق الأمر برجحان فكرة على أخرى،ففي هذه الحالة يحسن تأخير الفكرة الراجحة عن الفكرة المرجوحة أثناء وضع الخطّة.
04/اعتماد مصطلحات منضبطة:بمعنى أن العناوين يجب أن تكون قانونية ودالّة بالضبط على ماتتضمّنه،أي أن تكون العناوين جامعة لكل الجزئيّات التي من شأنها أن تدخل في الفكرة المتضمّنة بالعنوان،مانعة من دخول أيّ جزئية لا يتحمّلها،بمعنى عدم تضمين العنوان المختار ما ليس منه.مع تجنّب-قدر الإمكان-استعمال المصطلحات العامة إلا عند الضرورة،فالعام من المصطلحات هو آخر ما يلجأ إليه نحو أحكام...،النظام القانوني لـ:...)،هذا والى جانب المصطلحات تعيّن أيضا الاهتمام بتوضيح الخط واستعمال أسلوب ولغة قانونيّين بعيدا عن الأسلوب الأدبي.
كما أن لكيفية عرض الخطة-مباشرة بعد طرح الإشكالية –دور في تسهيل مهمّة المصحّح، ويكون ذلك بتأخير عمود المطالب عن عمود المباحث،وبالمثل لعمود الفروع نسبة إلى المطالب على نحو:
المبحث:.............
المطلب :........
الفرع:....
ثالثا : خاتمة
عند الوصول إلى مرحلة الخاتمة لا يجب التسرع للتخلّص من الموضوع بأي شكل كان، ذلك أن الخاتمة هي آخر ما ينطبع في ذهن المصحّح،فالموضوع من بدايته إلى نهايته هو وحدة متكاملة ابتداء من المقدمة،فالعرض،وانتهاء إلى الخاتمة.وقد مرّ بنا أن الخطة المصرّح بها تعد إجمالا للأفكار المكوّنة للموضوع،وانّ تفصيلها إنما يكون في مرحلة التحرير الذي هو جواب غير مباشر عن الإشكالية المطروحة.
فإذا كان هذا هو شأن العرض،فالخاتمة يجب أن تتضمّن الجواب المباشر عن الإشكالية. بمعنى انّه إذا كان الإشكال -مثلا-يتعلّق بمدى كفاية الحماية القانونيّة في إحدى الموضوعات، فالخاتمة يجب أن تتضمّن التصريح إما بكفاية السبل القانونية المؤمّنة لتلك الحماية،وإما-إذا كان العكس-يشار إلى مواطن القصور مع التّحفّظ الشّديد في إبداء الاقتراحات التي لا يجب أن تتجاوز ما اقترحه الفقه في المراجع المتاحة،فما عليك إلا تبنّي المذهب الذي تراه راجحا،ولا يطلب منك أكثر من ذلك.
والله الموفق للصواب.