هل يخاف أرباب العمل من حملة الشهادات الجامعية الراقية؟
مقال هارفرد بزنس ريفيو
أخبرني رئيس تنفيذي لإحدى شركات البرمجيات تحدّثت إليه مؤخراً بأنه يتحاشى طلبات العمل التي يتقدّم بها أشخاص حاصلون على شهادات جامعية متقدّمة في مجال هندسة البرمجيات، لأنهم يأتون من بيئة في التعليم تقود إلى طلب رواتب مرتفعة وثقة زائدة بالنفس.
وعندما يتعلّق الأمر بشهادات الكليات أو الدراسات العليا، فإن هناك عقليتان متمايزتان ومختلفتان تماماً في التوظيف تتواجدان جنباً إلى جنب في الوقت الحاضر في عالم التكنولوجيا. فالشركات الناشئة التي تكون في مراحلها الأولى ذات عقلية أميل إلى التقشف، بينما الشركات التي في طور النمو فإنها تكون في سباق محموم مع الزمن وتمتلك ما يكفي من الموارد لتخوض هذا السباق. وبالتالي فإن الطريقة التي تؤثر بها هاتان العقليتان، ولاسيما المخاوف اللتين تنطويان عليهما، على أسلوب دراسة طلبات التوظيف هي أمر مهم. والشهادات الراقية يمكن أن تشكّل مسؤولية كبيرة بالنسبة للمجموعة الأولى، بينما يمكن أن تنطوي على قيمة كبيرة بالنسبة للمجموعة الثانية.
• الشركات الناشئة التي هي في مراحلها المبكرة تخشى من شعور طالب الوظيفة بأن له حقاً مكتسباً
لا يمكن وصف نفسية شركة ناشئة جيدة إلا بأنها تقوم على قدر كبير من الحماسة الدؤوبة. فعندما تقيّم هذه الشركة الطلب الوظيفي للشخص المتقدّم إليها، فإنها تبحث عن إنسان يحمل ذهنية رجل الكوماندوز، أي رجل المهام الخاصة، وعن درجة الاستعداد للقيام بالمهام الصعبة. وبالنسبة لكلا هذين الجانبين، فإن هذه الشركات تنظر إلى الشهادات الراقية على أنها علامات إنذار إن لم تعتبرها أصلاً إشارات سلبية.
إن “رجال الكوماندوز” ينفذون الأمور بطريقتهم الخاصة وهم بارعون في العمل بمفردهم. فهم يمتلكون حافزاً ذاتياً قوياً للغاية، وغالباً لا يقبلون أي نظام للحوافز يتعدّى على استقلالهم الذاتي – سواء على شكل ترقيات، أو أموال، أو درجات وظيفية. ومن النادر أن يكون لدى شخص يحمل عقلية هكذا رجال كوماندوز أن يمتلك سجلاً نظيفاً في المدرسة.
أمّا الشهادات الجامعية النخبوية فإنها تبعث إشارة بأن هذا الشخص سوف يتفوّق في الأداء ضمن المؤسسات وضمن أنظمة التغذية الراجعة، وهذان أمران لا تجدهما في شركة ناشئة صغيرة. فالمؤسسون الجدد يعانون في تقديم التوجيهات المتناغمة، والقليل جداً من الشركات الناشئة لديها إجراءات تشغيلية تخص تقدير الموظفين أو تقديم الحوافز لهم. لذلك فإن هذه الشركات تختار المرشحين الذين سيجدون طرقاً لخلق القيمة دون أن يحظوا بأي رأي، أو تعليق، أو تقدير فوري من الإدارة.
• الشركات التي هي في طور النمو تخشى من أنها لن تكون قادرة على التوسّع بالسرعة الكافية
بالنسبة للشركات التي هي في طور النمو، فإنها تكون قد جمعت أصلاً رأسمال كبير أو تحقق إيرادات تفوق قدرتها على تحصيلها. وفي كلتا الحالتين، فإن الشركة تخطط للنمو بقوّة، وفي بعض الأحيان قد تسعى إلى مضاعفة حجم فريقها خلال عام واحد. وبالتالي فإن التركيز ينتقل من الحماس إلى السرعة المدروسة.
وفي شركة في طور النمو، فإن للشهادة الجامعية قيمتها الأكبر؛ فالشهادة دائماً تحمل في طياتها إشارات ضمنية إلى قدرة الشخص على التأقلم الثقافي، ولاسيما بين صفوف خريج الجامعات المرموقة. وبالتحديد، فإن الشركات التي في طور النمو تحتاج إلى شخص قادر على قراءة الأوضاع، واستقراء التوقعات وتفسيرها، وتقديم أداء يفوق التوقعات دون أن يخضع لبنية إدارية ثابتة. فما يهم هو وجود أشخاص قادرين على التعلّم بسرعة، وهذا أمر تمثله أيضاً الشهادات الجامعية المرموقة.
ومع ذلك، فإن الشركات التي في طور النمو بوسعها أن تبدي قدراً أعلى بقليل من الغرور عندما تكون قد وصلت إلى مرحلة توسيع الشركة وتنمية حجمها. فالمستثمرون الذين يقدّمون رأس المال الداعم لهذا النوع من الشركات يزورونها ويلقون محاضرات حول ضرورة توظيف “أفضل المواهب”. والشركات التي في طور النمو مستعدة أن تدفع الرواتب إلى أذكى الناس الذين تستطيع العثور عليهم وهي تتطلّع إلى التقليل من المجازفة في عملية التوظيف. فهي تشعر بأنها قادرة على أن تَعِدَ المرشحين لشغل الوظائف بالمجد، والقوّة، والغنى، وبناء الفريق، وتولي المناصب القيادية، والسفر، والحصول على وجبة طعام ثلاث مرات يومياً وفي عطلات نهاية الأسبوع في لاس فيغاس.
وبالتالي فإن خريجي كبريات الجامعات والكليات العريقة ينجذبون إلى هذا النوع من الشركات. وهم يتّبعون القاعدة الشهيرة التي أطلقتها شيرلي ساندبيرغ: “إذا عرض عليك أحدهم مقعداً في صاروخ فضائي، فاصعد إلى المركبة فوراً”. كما أنهم يبدؤون بالبروز وسط كومة من السير الذاتية تتجاوز آلاف الطلبات للمنافسة على حفنة من المقاعد.
لكن المشكلة تكمن في أن الشركات التي في طور النمو توظف عدداً أكبر من الناس، لكن عددها قليل بالمقارنة مع الشركات الناشئة الجديدة. وبالتالي تظل الشهادات الجامعية الرفيعة ذات جاذبية بالنسبة لشركات التكنولوجيا. لكن هناك إدراكاً واسع النطاق بأنها إشارة على نقطة ضعف فيما يخص جودة الموظف المحتمل وقدرته على التأقلم.
ليست هناك تعليقات :
إترك تعليقك